أ.د. عصام البشير - منهجيات في بناء الفكر الإسلامي المعاصر
منهجيات في بناء الفكر الإسلامي المعاصر
أ.د. عصام البشير
١٤-آب-٢٠٢٤
استضاف معهدنا وزير الأوقاف السوداني الأسبق ورئيس مركز الفكر الإسلامي والدراسات المعاصرة أ.د. عصام البشير والذي قدم محاضرة بعنوان “منهجيات في بناء الفكر الإسلامي المعاصر”، وذلك في نطاق الندوات الصيفية لبرنامج ما وراء النهر.
قام البشير أولا بتفكيك مفهوم الفكر الإسلامي لغويا واصطلاحيا وبين تاريخه الذي مر بعدة مراحل:
مرحلة التشكل: وهي مرحلة تنزل الوحي الذي انقطع بوفاة النبي (ص)، ومرحلة الخلافة الراشدة.
مرحلة التدوين: والتي جاءت في القرن الثاني، حيث بدأ تدوين العلوم الإسلامية على نحو مفصل.
مرحلة التألق: او العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، والتي بلغت أوجها في القرنين الثالث والرابع الهجري.
ثم بتدرج الى القرن الثامن.
مرحلة الضعف: وهي ما تلا زمن ابن خلدون، من القرن الثامن حتى القرن الثاني عشر الهجري.
مرحلة اليقظة أو النهضة الحديثة: مع القرن التاسع عشر الميلادي، لاسيما صوت الإصلاحيين: جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وحسن البنا ومصطفى صبري آخر شيوخ الإسلام بالدولة العثمانية.
حذر البشير من الأنماط التفكير العوجاء التي أصابت العقل المسلم ألا وهي: الفكر لاشتجاري، الذي يصغر الاتفاق ويضخم الاختلاف ويتغذى به. والفكر الانتحاري، وهو الفكر المتشدد الذي يبدا بالتكفير وينتهي بالتفجير. والفكر الانبهاري: الذي ينبهر بالغرب والآخر، ويحمل عقلية الاستلاب والتبعية والتغريب، ويتغذى بنقد الثوابت ويستهين بالمحكمات. والفكر المُغيب: وهو اثر للانحرافات التي خلفتها المذاهب الباطنية، والحركات الصوفية المنحرفة، ويتسم هذا الفكر المنحرف باتباع السنن الخارقة بدلا من السنن الجارية. وحذر أيضا من الفكر الانتقائي: الذي يفهم الدين فهما علمانيا.
توقف البشير على مفهوم السلفية، وبين أن اتباع السلف الصالح يكون باتباع المنهج لا المذهب؛ من خلال العمل بالكتاب والسنة في ضوء مقاصدهما الكبرى، والتركيز على ما يبنى عليه عمل لا جدل، ويرى أنه يمكننا أن نرجح ما لم يرجحه السلف، وننتقد آرائهم فنقبلها او نردها. إلا أن البشير يرى أن هذا المنهج قد اختل؛ إذ مالت السلفية اليوم إلى الجدلية في العقيدة، والشكلية في العبادة، وإلى ظاهرية في الفقه، وإلى جزئية في الاهتمام، وإلى الخشونة في الدعوة، وإلى ضيق بالخلاف.
يرى البشير أنه لا بد من توازن في بناء الفكر الإسلامي؛ وذلك بأن نتخذ منهجا هاديا للزمان والمكان والإنسان، موصولا بالواقع، مشروحا بلغة العصر، منفتحا على الاجتهاد والتجديد جامعا بين النقل الصحيح والعقل الصريح، محافظا في الأهداف والغايات، متطورا في وسائط والآليات، مستلهما للماضي، معايشا للحاضر، مستشرفا للمستقبل، مرحبا بكل قديم نافع، ومنتفعا بكل جديد صالح، ميسّرا في الفتوى، مبشرا في الدعوة، عاملا على تعزيز المشترك الإنساني والديني والحضاري، وملتمسا للحكمة من أي وعاء خرجت.
أكد البشير على علاقة العلم بالعمل بقوله: “البناء الفكري كلمتان مفتاحيتان في النشاط البشري، كل منهما مصدرا لفعل وكل منهما يشير إلى الفعل الى نتيجة ذلك الفعل؛ فالفكر موضوع يتم بناؤه، والبناء عمل موضوعه الفكر والعمل بالفكر من أشرف الأعمال.
وأخيرا يرى البشير أن بناء الفكر الإسلامي يكون أولا، بربط الفكر بالأصل واتصاله بالعصر. ثانيا، استيعاب فقه الخلاف وفق الإتلاف: فيما شجر بين الصحابة، وإدراك أسباب الخلاف الفقهي. ثالثا، الإحاطة بجوانب الفقه كاملة وليس الجمود على فقه الفروع فقط. رابعا، التجديد في الفكر. خامسا، فكر استيعاب يجمع ولا يفرق ويحترم الآخر وخصوصياته. سادسا، فكر وسطي راشد؛ غير تشاجري ولا تفجيري ولا شاطح ولا ناطح. سابعا، احترام المذاهب وفتح باب الاجتهاد من أهله وفي محله. أخيرا، فكر قائم على احترام المشترك الإنساني والاستفادة منه والتعاون معه.