غزة، مفترق طريق لضمير الإنسان
عقد معهد التفكر الإسلامي ندوة بعنوان "غزة، مفترق طريق لضمير الإنسان" يديرها الدكتور نجدت سوباشي بمشاركة أ.د.إرول جوكا وآيشين كانتأوغلو.
امتحان الانسانية المستمر لما يحدث في غزة هو امتحان ضمير، ورحمة، وأخلاق
رئيس معهدنا الأستاذ الدكتور محمد غورماز الذي ألقى الكلمة الافتتاحية للندوة أكدّ على أن امتحان الإنسانية المستمر في غزة منذ خمسين يوما، لا يفسد عالمنا المادي فحسب، بل هو أيضا حركة فساد تتجاوز إلى أبعاد فكرية وثقافية ودينية-سياسية ومفاهيمية وأخلاقية وفلسفية. وقال غورماز في كلمته: "إن الأبعاد الفكرية التي تقلب الحقيقة رأسًا على عقب، وتحرف تعريف العدالة، وتحوّل الأخلاق؛ أسوأ من الحطام الذي خلفته الحرب في غزة."
احتلال الأذهان أنكى من احتلال غزة!
تحدث الأستاذ غورماز عن مخاطر إخضاع الدين والنصوص المقدسة والعلوم والفلسفة لتصرف الصهيونية. ووصف التصريح الذي أدلى به الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني يورغن هابرماس مع مجموعة من العلماء بأنه أبشع وثيقة لهذه الحرب القذرة في التاريخ. ومن خلال هذا البيان بعنوان مبادئ التضامن، أشار إلى الأبعاد الدينية-السياسية لنفسية الذنب الميتافزيقي.
مصير غزة في فلسطين كغرناطة في الأندلس
وذكر أن هذه الوحشية التي يتم من خلالها تدمير الحضارة في فلسطين يوما بعد يوم، ليست حربا، بل هي عمل من أعمال الدمار في الأرض. وفي إشارة إلى أن الفقهاء المسلمين يميزون بين الحرب والإفساد في الأرض. وذكر غورماز في كلمته أن المجازر التي تعد جرائم ضد الإنسانية لا يمكن وصفها بالحرب، وأن الحرب أيضًا لها قانون وأخلاق.
المتحدث الأول في الندوة الأستاذ الدكتور إيرول جوكا أوضح في كلمته أن ما حدث في غزة هو حدث أعاد هيكلة التاريخ الحديث، وشمل التحولات النفسية على خلفية التعاطف مع إسرائيل الذي ظهر في الغرب. وذكر أيضا رغبة المجتمع الغربي في العودة إلى النظرة العالمية التي تركز على الإنسان والأخلاق.
ميلاد آخر للأدب الحديث: قبل غزة وما بعد غزة
قال جوكا: "ما حدث في غزة في أكتوبر 2023 سينحّي كل المحاولات الثورية السابقة. وسيُذكر هذا التاريخ باعتباره تاريخ الإبادة الجماعية في غزة ومقاومتها."
كيف تحول الصراع اليهودي-المسيحي إلى صراع يهودي-إسلامي؟
مشيرا إلى هذا الصراع يقول جوكا:"إنّ الصراع والتصادم الأكبر الذي شهده الغرب منذ مئات السنين هو الصراع اليهودي-المسيحي، لكن مع قيام دولة إسرائيل بعد الهولوكوست والحرب العالمية الثانية انتقل هذا الصراع إلى العالم الإسلامي." ويؤكد جوكا على أن الغرب، بدافع الشعور بالذنب، تعاطف مع اليهود كضحايا الماضي، وأن هذا يحدث لأول مرة في التاريخ.
إن عولمة التطبيع مع الشر هي عولمة الضمير أيضًا
وتطرق جوكا إلى التفكك الأخلاقي الذي ظهر على أساس الفرد والمجتمع؛ بسبب التقدم الإنساني المعادي للفضيلة والذي يخدم بدوره مصالح الإنسان وملذاته، ويعرف جوكا هذا بالتكنوميديا. وانطلاقا من ردود فعل المجتمع الغربي على ما حدث في غزة، قدم التقييم التالي: "نحن نفهم من ردود أفعالهم الهائلة تجاه الإبادة الجماعية في غزة أن المجتمعات الغربية قد سئمت من معاداة السامية، وكراهية الأجانب، والسياسة التي تركز على التكنولوجيا ويريدون العودة إلى رؤية عالمية تتركز على الإنسان والأخلاق."
وبدأت المتحدثة الثانية للندوة، آيشين كانتأوغلو، بأبيات للشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله، "كذا و كذا"
حرب اليوم ليست مجرد حرب بين إسرائيل وفلسطين، بل هي حرب أشعلتها الكرامة الإنسانية لكل الأرض
تقول كانتأوغلو لافة إلى القوة التي ستنشأ عن وحدة المسلمين: "إن وحدة المسلمين ليست اندماجا، بل هي وحدة متجذرة الأساس. اليوم نحن بحاجة إلى الوحدة وإلى التخلص من العقلية الغربية التي تحول دون عودتنا إلى نقطة الأساس."
علينا أن نتذكر ما فقدناه ومن نحن
وأشارت كانتأوغلو إلى أننا عشنا صراعًا مشابهًا قبل مائة عام لما يعيشه الفلسطينيون حاليًا، وقالت: "لقد دفعنا ثمن الهوية التي لدينا اليوم منذ قرن. ويجب أن نكون قادرين على إعادة حصاد هذه الهوية الأساسية من مصدرها الرئيسي. لأننا إذا فقدنا الهوية، فإننا نفقد المعنى."
في عالم يُقتل فيه الأطفال، فإن العبارات التي تبدأ بـ "لكن" مرفوضة
أشارت كانتأوغلو إلى أن المسؤولين عن هذه المجزرة التي وصفتها بالشر المنظم، لم يتمكنوا من إخفاء الحقيقة رغم حشدهم كافة مواردهم، وأن الحقيقة يمثلها أطفال وشيوخ تعرضوا لهذه الوحشية في غزة.
واختتمت الندوة بجلسة أسئلة وأجوبة.