طه عبد الرحمن - مسألة الفرق بين التفكر والتفكير

                 مسألة الفرق بين "التفكر" و"التفكير"

إن اللغة بقوة استعمالها، لا بقوة اشتقاقها فحسب؛ فإذا كانت الكلمتان: "التفكر" و"التفكير"، باعتبار الاشتقاق، تجتمعان في دلالتهما على معنى "الفكر"، فإنهما، باعتبار الاستعمال، تفترقان في زمن الأخذ بهما؛ فقد درَج المتقدّمون من المشتغلين بالفكر، في مجال التداول الإسلامي، على استعمال كلمة "التفكر"، بينما درَج المتأخرون منهم على استعمال كلمة "التفكير"، حتى بات لفظ "التفكر" معدودا في الألفاظ المهجورة.

وحسبنا مثالا على استعمال كلمة "التفكر" عند المتقدّمين أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي أفرد، في مؤلفه العظيم: إحياء علوم الدين، الكتاب التاسع من ربع المنجيات لـموضوع "التفكر"، وتناول فيه تعريف "التفكر" وصُوره وآثاره وكيفياته، مركّزا على كيفية التفكر في المخلوقات.

ومثالنا على استعمال كلمة "التفكير" عند المتأخرين أن المفكّر المصري المعاصر عباس محمود العقاد وضع مؤلفا مستقلا بعنوان: "التفكير فريضة إسلامية"، واستعرض فيه مختلف المجالات التي يشملها "التفكير"، بدءا بـ"المنطق"، وانتهاء بـ"العرف"، مرورا بـ"الفلسفة" و"العلم" و"الفن" و"الاجتهاد في الدين" و"التصوف".

أما إذا رجعنا إلى النص المؤسِّس الأول للإسلام، أي القرآن الكريم، لم نجد فيه ذكرا صريحا للفظ "التفكير"، ولا للفظ "التفكر" بصيغتهما المصدرية الاسمية، وإنما ذكَرهما بصيغتهما الفعلية، وهما: "فكَّر" و"تفكَّر"؛ فالمصدر من "فكَّر" هو "التفكير"، والمصدر من "تفكَّر" هو "التفكُّر"؛ ونبدي بصددهما بعض الملاحظات مع النتائج التي تترتب عليها:

أولاها، أن الفعل: "تفكَّر" ورَد في سبع عشرة آية، بينما ورد الفعل: "فكَّر" في آية واحدة[1]؛ فيلزم أن "التفكر" كان أكثر تداولا من "التفكير".

والثانية، أن الفعل: "تفكَّر"، غالبا ما ذُكر في آخر الآيات، تذييلا لها، جاريا مجرى الـمَثَل، كقوله تعالى: "أفلا يتفكرون" أو قوله: "لعلهم يتفكرون" أو قوله: "لقوم يتفكرون"، بينما ذُكر الفعل: "فكَّر" في صدر الآية، جاريا مجرى مطلق الخبر؛ فيلزم أن يكون في "التفكر" من "الاعتبار" ما ليس في "التفكير".

والثالثة، أن الفعل: "فكّر" اقترن به، عطفا عليه، فِعلٌ ثان هو "قدَّر"، ثم تلاه فعل ثالث هو "نظَر"، بحيث تكون الأفعال الثلاثة مرتبا بعضها مع بعض، تتميما للمعنى الذي يقتضيه المقام، بينما الفعل: "تفكَّر" لم يُعطف عليه أي فعل آخر، ولم يُرتَّب معه غيره؛ فيلزم أن "التفكر" مكتف بمفرده، أي أنه فعل مباشر، لا يتوسط بغيره، بينما "التفكير" مفتقر إلى غيره، أي أنه فعل غير مباشر.

والرابعة، أن السياقات التي ورد فيها الفعل: "تفكَّر"، ولو أنها سياقات مختلفة، تتفق في الحث على "التأمل"، بينما السياق الذي ورد فيه الفعل: "فكّر" تعلَّق بأحد زعماء قريش الوليد بن المغيرة المخزومي، إذ سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه، لكن قومه اضطروه إلى أن يقول في النبي، ﷺ بضد ما وجده؛ فيلزم أن "التفكر" يكون فيما يوافق الحقيقة الحية، وقد خُصَّت "الحقيقة الحية" باسم "الحق"؛ بينما "التفكير" قد يكون فيما يخالف الحقيقة، حتى ولو كانت حقيقة "التفكر" نفسه؛ فما سمعه الوليد بن المغيرة من الآيات المنزَلة لا يكون إلا محل تفكّر حي، لكنّ الوليد جعله محل "تفكير" مجرَّد، مخالفا حقيقته الحية.

وبهذا، يتبين أن النص المؤسِّس الأول يُفرِّق بين "التفكر" و"التفكير" من وجوه أربعة على الأقلـ وهي: "التداول" و"الاعتبار"، و"المباشَرة"، و"الحقّ"؛ وإذا نحن تأمّلنا هذه الوجوه، ألفينا أنها كلها تتضمن دلالة عملية؛ فلا "تداول" من غير أن يكون هناك ارتباط بـ"الحياة اليومية"، ولا أدل على العمل من هذه الحياة؛ وكذلك لا "اعتبار" من غير أن تكون ثمة "عبرة"، و"العبرة" معنى عملي؛ ثم لا "مباشرة" من غير أن يكون هناك "احتكاك"، ومِثْلُ هذا الاحتكاك لا يكون إلا أمرا عمليا؛ وأخيرا لا "حقّ" من غير أن يتطلب إدراكا حيا، ومِثْل هذا الإدراك لا يكون إلا إدراكا عمليا.

وعلى الرغم من أن هذا النص المؤسِّس يرفع رتبة "التفكر" على رتبة "التفكير"، نجد المتأخرين من أهل الفكر المسلمين يطَّرِحون مفهوم "التفكر" بالمرة، على سُموّه، ويأخذون بمفهوم "التفكير"، على شُبَهه؛ وليس غرضنا هنا أن نبحث في الأسباب التي أدت إلى هذا التبدل في الممارسة الفكرية لدى المسلمين، وإنما أن نبني، على ما سبق استنباطه، بصدد "التفكر"، من دلالات عملية، دعوى فلسفية نشتغل بالتدليل عليها في هذه المداخلة.

ونمهد، لصوغ هذه الدعوى الفلسفية، بتحديد تصوّرنا الائتماني لـ"الفكر"؛ فهذا التصوّر يجعل الأصل في علاقة الفكر بـالعمل هو الاتصال؛ وهذا الاتصال ليس اتصالا عَرَضيا، وإنما هو اتصال جوهري؛ فليس العمل أمرا يعرِض للفكر من خارج، وإنما هو أمر لا ينفك عن ذاته، إذ يتعلق به من حيث هو، فيكون العمل جزءا من هوية الفكر؛ ولنسم هذا الاتصال بالعمل بـ"الاتصال الأصلي"، تمييزا له عن اتصال الفكر بـ"العمل الخارجي".

والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أن الهوية العملية للفكر ليست هوية بسيطة، وإنما هوية مركبة أو مزدوجة؛ إذ لها جانبان اثنان، أحدهما "الكِيان"، وهو جملة العناصر التي تدخل في تكوين الفكر، وهي "المكوِّنات"؛ فلولا المكوِّنات، ما تحقَّق الفكر بـ"الوجود"، بحيث تكون  "المكوِّنات" هي التي تحدّد بنية الفكر؛ والجانب الثاني هو "القِوام"، وهو جملة العناصر التي تدخل في تقويم الفكر[2]، وهي "القيم"؛ فلولا القِيم، ما تحقق الفكر بـ"الوجوب"، بحيث تكون "القيم" هي التي تحدّد وجهة الفكر.

من هنا، يتبين أن التبدل الذي يمكن أن يطرأ على هذه العلاقة بين "الفكر" و"العمل" هو الانتقال من حال الاتصال الأصلي بين الطرفين إلى حال الانفصال بينهما؛ ويتخذ هذا الانفصال، بموجب الهوية العملية للفكر، صورتين: إحداهما، "انفصال الفكر عن كيانه"؛ والثانية، "انفصال الفكر عن قوامه"؛ وإذا تقرّر هذا، أمكن أن نصوغ الآن الدعوى الفلسفية التي نقول بها، ونسميها "دعوى الاتصال الأصلي"، وهي:

  1.  إن "المتفكّر" يتمسك بالاتصال الأصلي بين الفكر والعمل، حافظا لكيان الفكر ولقوامه، بينما "المفكّر" لا يتمسك بهذا الاتصال، غير حافظ لكيان الفكر ولا لقوامه، إن كلا أو جزءا.

والغرض من هذه المداخلة هو الاستدلال الائتماني على هذه الدعوى؛ والمقصود بـ"الاستدلال الائتماني" هو الاستدلال الذي يقوم على ركنين:

أحدهما، الماهية الميثاقية؛ إذ ينبني هذا الاستدلال على تعريف خاص للإنسان، وهو أن الإنسان كائن ميثاقي؛ فلا مخلوق غيرَه يأخذ أو يُعطي الميثاق على اختلاف صوره: عهدا كان أو وعدا أو قسَما أو شهادة؛ أما تعريف الإنسان بكونه ذا فكر، أي "عاقلا"، فيشاركه فيه غير الإنسان، حتى الحيوان، بل إن التعريف بالعقل تابع للتعريف بالميثاق؛ ولا ترجع "ميثاقية" الإنسان، كما يُظن، إلى ضرورة الاجتماع البشري، وإنما ترجع إلى سابق الاتصال الإلهي؛ وتجلى هذا الاتصال الإلهي، أول ما تجلى، بـ"المواثقة" التي حصلت بين الآدميين وربهم؛ وحتى يؤخذ منهم أول ميثاق، فقد أُوتوا من الفكر ما يطاق؛ فـ"الأمر بالميثاق" متقدم على "الأمر بالفكر" تقدُّم المقصد على الوسيلة.

أما مواثيق التعامل الاجتماعي، فإنما هي تبَع لهذه المواثيق الإلهية، إما عملا بها أو نسجا على منوالها، إن إقرارا بها أو نسيانا لها.

والثاني، العلاقة الائتمانية؛ إذ ينبني هذا الاستدلال على نوع خاص من علاقة الإنسان بـ"العالم"؛ فقد جعل الإنسان هذه العلاقة، في البداية، علاقة امتلاك، طلبا للبقاء، ثم حوّلها إلى علاقة إتلاف للعالم، تغييرا للخَلْق، إذ لا تزال هذه العلاقة تشتد، ويتسع نطاقها، وتتخذ من الصور ألوانا، حتى آخرها الذي هو "تحويل كل شيء إلى طاقة"، كل ذلك إشباعا للغرائز ونسيانا للمسؤولية الأصلية، بحيث لم يَعُد لأمر "الاستخلاف"، في هذا الزمان، أي معنى.

لذلك، يأخذ استدلالنا، على دعوى الاتصال الأصلي، بالعلاقة التي تضادّ علاقة الامتلاك، وهي "علاقة الائتمان"، ذلك أن هذه العلاقة تذكِّر الإنسان بسياق ميثاقيته ونطاق مسؤوليته؛ فالأشياء، أيا كانت، عبارة عن أمانات لدى الإنسان وليست حيازات؛ ويجب التنبيه إلى أن الائتمان ليس أبدا محوا للملكية، ولا منعا للتصرف والتمتع، وإنما هو، أولا قبل شيء، تحقّق الإنسان بتمام الشعور بأنه مسؤول عما يتصرف فيه، كائنا ما كان، وأنه مستعد لردّه إلى طالبه، متى احتاج إليه أو أراد استرجاعه؛ فالائتمان يوجب الانتقال من واقع "إتلاف" العالم إلى واجب "رعاية" العالم، شعورا ووجودا.

مما تقدم، يتبين أننا نحتاج، في هذا الاستدلال  إلى بيان مسألتين:

إحداهما، أن حفظ "المتفكر" لـ"الماهية الميثاقية" يؤدّي إلى حفظ الهوية الكيانية للفكر، أي وصل الفكر بكيان عملي، وأن إخلال "المفكّر" بهذه الماهية، في المقابل، يؤدي إلى الإخلال بهذه الهوية، أي فصل الفكر عن كيانه العملي.

والمسألة الثانية: أن حفظ "المتفكر" لـ"العلاقة الائتمانية" يؤدّي إلى حفظ الهوية القوامية للفكر، أي وصل الفكر بقوام عملي، وأن إخلال "المفكّر" بهذه العلاقة، في المقابل، يؤدي إلى الإخلال بهذه الهوية، أي فصل الفكر عن قوامه العملي.

فلنمض إلى الاستدلال الائتماني على المسألة الأولى، أي حفظ كيان الفكر بطريق حفظ "الماهية الميثاقية"؛ ومبنى هذا الكيان على عنصرين هما: "الوجود" و"الزمان"؛ وعندئذ، يتعين الاستدلال على أمرين هما: "وجود الفكر" و"زمان الفكر".

  1. الاستدلال الائتماني على الكيان العملي للفكر

نقول إن أصل الهوية الميثاقية للإنسان هو "ميثاق الإشهاد"[3]؛ فإذا نحن تأملنا الحوار الملكوتي الذي مهّد لهذا الميثاق الإلهي، وجدنا أنه شهِد أول تفكُّر أوتيه الآدميون؛ ذلك أن الإله أكرمهم بخطابه، سائلا لهم، فكان لا بد أن يجعلهم هذا السؤال الإلهي يتفكرون في الجواب تفكرا غير مسبوق، هذا إن لم يكن الخطاب الإلهي لهم هو الذي أنشأ قدرتهم على التفكر، وجعل تفكُّرهم في عين سماعهم لهذا الخطاب؛ ولهذا التفكر الأول خصائص جليلة.

ونقف من هذه الخصائص على أربع:

أولاها، أن التفكر الأول فكر صادق؛ فلا يُتصوَّر أن يشهد الآدمي لربه بالكمالين: "الربوبية" و"الوحدانية" ويُضمر، في ذات الوقت، اعتقاد خلافهما؛ إذ فكره عين حاله، وحاله عين فكره؛ وهذه المطابقة التامَّة بين الفكر والحال هي التي تورّث فكره خاصية "الوجود"؛ وهكذا، يكون "الصدق" عبارة عن الجانب الوجودي من كيان الفكر الإشهادي.

وشأن "المتفكر" أن يحفظ في نفسه هذا الصدق الميثاقي، إذ هذا الصدق الأول هو الدليل على وجود تفكّره؛ أما "المفكر"، فلا يشغله أن يكون لفكره نفسه وجود أو أن يثمر حالا بقدر ما يشغله أن يكون للشيء الذي يفكّر فيه وجود أو أن يُـحدث هذا الشيء أثرا خارجيا؛ فالصدق الأول عنده ليس صدق الداخل، وإنما صدق الخارج، فلا يفتش في نفسه تفتيش "المتفكر".

والثانية، أن التفكر الأول فكر متوجِّه؛ فلا يُتصوّر أن يتلقى الآدمي خطاب ربه، وهو عنه لاهٍ؛ إذ أنه لا يسمع هذا الخطاب إلا بكلية سمعه، ولا يتفكر فيه إلا بكلية فكره، ولا يشهد بما سئل عنه إلا بكلية بيانه، فكل مداركه متوجهة غاية التوجه إلى خطاب ربه؛ والتوجه عبارة عن حضور، والحضور وصف زماني يتعلق بالوجود في الآن، فيكون وجود الآدمي من تمام حضوره.

وشأن "المتفكر" أن يحضر بقلبه فيما يتفكر فيه، واصلا به حاله، حتى يأتي بفعله، إن جلبا أو دفعا؛ أما "المفكّر"، فهمّه أن يحضر الشيء الذي يفكر فيه، سواء حضر قلبه فيه أم لم يحضر، ما دام حضور القلب ليس عليه رقيب إلا هو نفسُه؛ وحتى رقابةُ نفسه لا تهمُّه إلا بالقدر الذي يؤثر فيه الشي الحاضر؛ فزمن الحاضر الذي يتعلق به المفكِّر ليس زمن حاضرِ فكره، وإنما هو زمن حاضر الشيء المفكَّر فيه.

والثالثة، أن التفكر الأول فكر متذكر؛ فلا يُتصوّر أن ينسى الآدمي ما عرفه أو تعرَّف إليه في حواره مع ربه؛ إذ أنه يسعى بكلية قوته إلى أن يحفظ هذه المعرفة على الدوام في باطنه، استرجاعا لها، وتأملا فيها، وتلذذا بها، كيف لا وهي معرفة بالكمالات التي تجلَّى ربه بها، متعرّفا إليه من خلالها! ومثلُ هذا الحفظ حقيقته أنه ذكر؛ ولما كان "الذكر" استحضارا لـِمَا سبق حدوثه، كان متعلقا بالزمن الماضي تعلقه بالزمن الحاضر، إذ يجعل الماضي حاضرا.

وشأن "المتفكر" أنه لا ينفك يتذكر "ميثاق الإشهاد" في كل ما يتفكر فيه؛ ففكره لا يكون إلا ذكرا، إذ حاضره موصول بماضيه، بينما "المفكر" يفكر فيما يَحضره، وليس فيما يستحضره، وذلك لصدوده عن الماضي؛ وهذا الصدود لا يجعله ينصرف عما يُذكّره بالماضي فحسب، بل يحجب عنه القدرة على التذكر؛ وبهذا، يصير إلى نسيان واحدة من الحقائق الفكرية، وهي أن أصل الفكر إنما هو ذكر؛ فلولا وجود القوة الذاكرة، ما وُجدت القوة المفكّرة.

والرابعة، أن التفكر الأول فكر شاكر؛ فلا يُتصوّر أن يُنكر الآدمي ما حظي به من صور العطاء الإلهي؛ إذ أن فكره، وجودا وعملا، ليس من صنعه، وإنما من عطاء ربه، بل إن جوابه عن السؤال الإلهي ليس من كسبه، وإنما هو من فضل ربه؛ لذلك، لا ينفك الآدمي يذكُر هذا العطاء غير المحدود، وذكره له إنما هو شكره لربه؛ وفي دوامه على ذكره مزيد شكره، ومزيدُ الشكر جزاؤه مزيد العطاء؛ ولما كان مزيد العطاء متعلقا بزمن المستقبل، كان الشكر متعلقا بالمستقبل تعلُّقه بالماضي.

وما دام "المتفكر" يتذكر بقدر ما يتفكر، فقد جعله تذكُّره يسلك فيما يتفكر فيه مسلك الذي يشكر ربه، فلا ينفك فكره عن شكره كما لا ينفك عن ذكره، فيكون فكره، وهو حاضره، مفتوحا على مستقبله بقدر ما هو موصول بماضيه؛ في حين أن "المفكّر" ليس له سبيل إلى الشكر إلا بأن يربط الماضي بالمستقبل، وهو لا يقدر على هذا الربط، لأنه صادّ عن الماضي؛ كما لا سبيل له إلى الامتداد في الزمان كله، لأنه إما مستغرق في محصول الحاضر وحده، وإما مستغرق في مشروع المستقبل وحده.  

وعلى الجملة، فإن الاستدلال على المسألة الأولى التي تتكون منها "دعوى الاتصال الأصلي بين الفكر والعمل"، وهي مسألة كيان الفكر، يوصّلنا إلى النتائج التالية:

أولاها، أن "ميثاق الإشهاد" يورّث الإنسان "التفكر الأول".

والثانية، أن "التفكر الأول" فكر صادق ومتوجه ومتذكر وشاكر[4].

والثالثة، أن هذه الصفات الإشهادية: "الصدق" و"التوجه" و"التذكر" و"الشكر" هي، بالذات، عناصر العمل المحدّدة لكيان الفكر، وجودا وزمانا؛ فـ"الصدق" يحدد وجود الفكر، و"التوجه" يحدد حاضره، و"التذكر" يحدد ماضيه، و"الشكر" يحدّد مستقبله.

والرابعة، أن "المتفكّر" يحفظ هذه الصفات الإشهادية؛ وبحفظها، يحفظ، في قلبه، "التفكر الأول"؛ ولا يزال على هذه الحال، حتى يصير هذا "التفكر الأول" سجية من سجاياه، بحيث يصدر عنه تلقائيا في تكوين فكره على مقتضى الإشهاد.

والخامسة، أن "المفكّر" لا يحفظ هذه الصفات الإشهادية، إن كلا أو بعضا، بحيث ينقطع فكره عن "التفكر الأول"؛ ولا يزال على هذا الحال، حتى ينفصل وجود فكره عن وجود الشيء الذي يفكّر فيه كما ينفصل زمان فكره بعضه عن بعض.

وبعد الفراغ من الاستدلال على المسألة الأولى من "دعوى الاتصال الأصلي"، ننتقل إلى الاستدلال على المسألة الثانية من هذه الدعوى، وهي حفظ قوام الفكر بطريق حفظ "العلاقة الائتمانية"؛ ومبنى هذا القوام على عنصرين، أحدهما، "القيام"، والمراد به أن الفكر يقوم حيث تقوم القيم، أي أنهما مرتبطان من جانب الوظيفة؛ والثاني: "الـمُقام"، والمراد به أن الفكر يُقيم حيث تُقيم القيم، أي أنهما مرتبطان من جانب المحل؛ وعندئذ، يتعين الاستدلال بالتوالي على أمرين، وهما: "قيام الفكر"، و"مُقام الفكر".

  1. الاستدلال الائتماني على القوام العملي للفكر   

نقول إن أصل العلاقة الائتمانية هو ميثاق إلهي آخر هو "ميثاق الاستئمان"[5]؛ وإذا نحن تأملنا هذا الميثاق، ألفينا أنه شهِد أول تَـحَمُّل عرفه الإنسان، ذلك أن الإله أكرم الإنسان بعرض الأمانة عليه، مخيّرا له في حملها، فكان أن مارس الإنسان، لأول مرة، إرادته، فاختار أن يحملها، هذا إن لم يكن العرْض الإلهي هو الذي أنشأ قدرته على الاختيار، فتحمّل ما تحمَّل؛ وليس هذا "التحمل الأول" مستقلا عن "التفكر الأول" الذي يورّثه "ميثاق الإشهاد"، إذ أن الأمانة الأولى التي ينبغي للإنسان حملها هي "حفظ التفكر الأول"؛ وهذا "التحمل الأول" يجعل التفكر عبارة عن فكر ائتماني يتصف بالخصائص الآتية:

أولاها، أن الفكر الائتماني فكر وجوبي، إذ أنه يشتغل، أساسا، بالقيم حيثما قامت، مقدِّما لها على الوقائع؛ والقيمة تقوم، أول ما تقوم، في الأمر، إذ هي  عبارة عن "وجوب"، و"الوجوب" عبارة عن "أمر"؛ فمثلا، "سؤال الإشهاد" ينطوي على قيمة، وهي: "الشهادة"؛ فإذا قيل: "الشهادة قيمة" فكما إذا قيل: "الشهادة واجبة"، أو قيل: "اشهَدْ"، ومعنى هذا القول: "وجب عليك الفكر في الشهادة"؛ كما أن عرْض الأمانة ينطوي على قيمة هي "الأمانة"؛ فإذا قيل: "الأمانة قيمة" فكما إذا قيل: "الأمانة واجبة"، أو قيل: "أدِّ الأمانة"، ومعنى هذا القول: "وجب عليك الفكر في أداء الأمانة، فضلا عن الفكر في الأمانة"؛ ثم إن "الوجوب" الذي تؤول إليه "القيمة" يكون متقدما على "الوجود"، فلا يوجد إلا ما أُمِر بوجوده؛ و"الأمر بوجود الشيء" إنما هو إيجاب وجوده؛ فيلزم أن يكون الفكر في "الوجوب" متقدما على الفكر في "الوجود"، تسديدا للوجود.

وشأن "المتفكر" أن يبني "الوجود" على "الوجوب"، فيتفكر في الأشياء من جهة ما يجب فيها، إما قبل وجودها، حتى يُوجدها على الوجه الذي يجب، وإما بعد وجودها، حتى يتبين مدى موافقة هذا الوجود لـما يجب فيها، فإن وافقه أمضاه وإن خالفه أقصاه، ساعيا إلى الوفاء بـ"التحمل الأول".

أما "المفكّر"، فإنه، على العكس، يبنى "الوجوب" على "الوجود"، فيُفكّر في الأشياء، لا من جهة إيقاعها، وإنما من جهة وقوعها، نازعا عن هذا الوقوع تدخّل أي إرادة، كأن الوجود ليس من ورائه وجوبٌ سابق، ولا تحمّلٌ أول، إذ أن الوجود، بحسبه، يتناسل بعضه من بعض من ذاته؛ فلا واجب، عنده، إلا هذا التناسل الوجودي، فكل ما وقع أو يقع، واجب وقوعه.

والثانية، أن الفكر الائتماني فكر توحيدي، إذ يَعتبر أن أول الواجبات هو واجب توحيد القيم؛ فالقيم، أيا كان مجالها، هي، بحسبه، معان واحدة، وذلك لأن مصدرَها كلَّها مصدر واحد بعينه، وهو الصفات أو الكمالات الإلهية؛ فمتى سلمنا بأن المجالات الأصلية للقيم ثلاث هي: "الوجود" و"الفطرة" و"الرسالة" (أو "الدين")، فإن الفكر الائتماني يرى في "قيم الوجود" و"قيم الفطرة" و"قيم الرسالة"، قيما واحدة تعدَّدت مظاهرها؛ إذ "الوجود"، بحسبه، عبارة عن شواهد على القيم، و"الفطرة" عبارة عن مستودَع لها، و"الرسالة" عبارة عن تذكير بها.

وعلى هذا، فإن "المتفكّر" يجتهد في إقامة هذه الوحدة في صلب تفكّره، بحيث لا يتفكر في أي شيء إلا على جهة الوحدة؛ وهكذا، فإنه يتفكر في "الوجود" على مقتضى "الرسالة"، ويتفكر في "الرسالة" على مقتضى "الفطرة"، ويتفكر في "الفطرة" على مقتضى "التفكر الأول"؛ وبهذا، يكون قد وفىّ بـ"ميثاق الإشهاد" الذي أُخذ منه، إذ يكون قد توصّل إلى أن "وحدة القيم" إنما هي من "وحدانية الرب"، جل جلاله.

بينما "الـمفكّر"، في المقابل، لا أحرص منه على التفريق بين هذه المجاميع من القيم، فيقيم تعارضا بين "الوجود" و"الرسالة"؛ إذ يرى أن "الوجود"، بما هو وجود، خِلو من القيم الـمُلزمة، وأن "الرسالة" بما هي رسالة، على النقيض، كلها قيم ملزمة؛ كما يقيم تعارضا آخر بين "الغريزة" التي هي، عنده، الأصل في القيم الطبيعية وبين "الرسالة" التي هي، عنده، الأصل في القيم غير الطبيعية؛ وحينها، لا يسعه إلا أن يقيم "الكثرة" في صلب فكره، بحيث لا يُفكّر في أي شيء إلا على جهة "الكثرة"، فيفكر في "الوجود" باعتباره "ظواهر" وفي "الغريزة" باعتبارها "طباعا" وفي "الرسالة" باعتبارها "إلزامات".

والثالثة، أن الفكر الائتماني فكر فطري؛ ليست "الفطرة" حقيقة ظاهرة للعيان، وإنما هي لطفية مودعة في الوجدان؛ وقد ضمّت هذه اللطيفة عناصر المعرفة التي تحصَّلت للآدمي بفضل التفكر الإشهادي؛ فيلزم أن تكون هذه العناصر معاني وقيما مستفادة من الكمالات التي تجلّى بها الإله للآدميين، حتى يعرِفوه، فيقروا بربوبيته ووحدانيته؛ فإذن "الفطرة" هي "مُقام" المعاني والقيم في باطن الإنسان، بحيث يكون الإنسان مؤتمنا على هذه المعاني والقيم؛ من هنا، كان الفكر الائتماني يسترشد بما يُقيم، في طيّ "الفطرة"، من القيم، بحيث لا يكون إلا فكرا مسدَّدا؛ إذ "الفكر المسدَّد" هو الفكر الذي لا ينفك يستقي قيمه من الفطرة، متوجّها إليها أو مُتوسّلا بها.

وهكذا، فإن "المتفكر" لا يتصوَّر إمكان وجود أي فعل بغير قيمة، ولا إمكان وجود أية قيمة بغير مطلق تتفرع عليه، وهو الكمال الإلهي؛ لذلك، لا ينفك المتفكّر يرجع إلى فطرته، ماتحا منها القيم التي يسدّد بها أفعاله، على أساس أن العمل بها يجعله موصولا بـ"التفكر الأول".

أما "المفكّر"، فعلى العكس من ذلك، يتصور إمكان التفكير في الأفعال معزولةً عن القيم، بحيث يكون فكره عبارة عن فكر مجرَّد؛ إذ "الفكر المجرد" هنا ليس الفكر الذي ينتزع المعقولات من المحسوسات أو الكليات من الجزئيات، وإنما الذي ينتزع القيم من الأفعال والمعانيَ من المباني؛ وحتى إذا أقر بمظاهر التقويم التي يتجلى بها الإنسان، أفعالا أو أوصافا أو أحوالا، ردَّها، لا إلى الفطرة، وإنما إلى "الغريزة"؛ فالغريزة، بالنسبة إلى المفكِّر، هي مُقام القيم الدالة على تدخّل الذات في المدْرَكات.

والرابعة، أن الفكر الائتماني فكر آياتي؛ معلوم أن الآيات عبارة عن أشياء موجودة تنزل منزلة علامات تحتها دلالات، وهذه الدلالات إنما هي معان وقيم يُهتدى بها في الحياة، بحيث تكون، بموجب الخاصية التوحيدية، هي عين المعاني والقيم التي تتضمنها الفطرة والتي استفادها الآدمي من اللقاء الإشهادي، بل هي عين المعاني والقيم التي ينطوي عليها الخطاب الإلهي للآدميين عن طريق المرسلين؛ من هنا، كان الفكر الائتماني يتأمل الأشياءَ على اعتبار أنها آثار للصفات الإلهية؛ والحال أن تأمُّلَ الأشياء بوصفها آثارا يجعل منها آيات دالة على الكمالات، بحيث يكون الفكر الائتماني فكرا آياتيا، فـ"الآيات" هي مُقام القيم في الظاهر كما أن "الفطرة" هي مُقام القيم في الباطن؛ فـ"الفكر الآياتي" هو الفكر الذي يقف على القيم التي تحملها الأشياء بوصفها آيات، على أساس أن الائتمان عليها يجعله موصولا بـ"التحمل الأول".

وبناء على هذا، كان "المتفكر" لا يتصوَّر إمكان وجود أي شيء بدون أن يكون آية يُعتبَر بها، ولا إمكان وجود أي آية بغير كمال إلهي تُنبّه عليه، جاعلا من الآيات وعاء للقيم الإلهية؛ لذلك، تراه يطلب معرفة الكمالات طلبه لمعرفة القيم، إذ غايته شهود هذه الكمالات، سعيا للتحقق بـ"التفكر الأول" كما تحقق به وهو يتلقى سؤال ربه في عالم المواثقة.

أما "المفكّر"، فهو، بخلاف ذلك، يرى أن الأشياء في حد ذاتها، ليست تحتها أي قيم ولا معان، وإنما تحكمها قوانين محدَّدة بمقدور "العلم" أن يقف عليها؛ أما القيم والمعاني، فإنما هي أمور ذاتية ألبسها الإنسان لهذه الأشياء، توافقا مع مصالحه، بحيث يكون وعاؤها هو الذات البشرية وحدها؛ وهكذا، يكون المفكّر قد آثر "العلم" على "الحكمة"، مستبدلا ضيْق "الظواهر" بـسعة "الآيات"، على اعتبار أن "الظواهر" هي الأشياء الطبيعية في حد ذاتها.

وعلى الجملة، فإن الاستدلال على المسألة الثانية التي تتكون منها "دعوى الاتصال الأصلي"، وهي مسألة "قوام" الفكر، يوصّلنا إلى النتائج التالية:

أولاها، أن "ميثاق الاستئمان" يورّث الإنسان "التحمل الأول".

والثانية، أن "التحمل الأول" يجعل التفكر تفكرا ائتمانيا.

والثالثة، أن التفكر الائتماني فكر وجوبي وتوحيدي وفطري وآياتي.

والرابعة، أن هذه الصفات الائتمانية: "الوجوب" و"التوحيد" و"الفطرة" و"الآية" هي، على التعيين، عناصر العمل المحددة لقوام الفكر، قياما ومُقاما؛ فـ"الوجوب" و"التوحيد" يحددان "قيام الفكر"؛ و"الفطرة" و"الآية" تحددان "مُقام الفكر".

والخامسة، أن "المتفكّر" يحفظ هذه الصفات الائتمانية، وبحفظها يحفظ، في قلبه، "التحمل الأول"؛ ولا يزال على هذه الحال، حتى يصير هذا "التحمل الأول" سجية من سجاياه، بحيث يصدر عنه تلقائيا في أمر تسديد فكره على مقتضى الاستئمان الإلهي.

والسادسة، أن "المفكّر" لا يحفظ هذه الصفات الائتمانية، إن كلا أو بعضا، بحيث ينقطع فكره عن "التحمل الأول"؛ ولا يزال على هذا الحال، حتى ينفصل فكره عن كل أمر يوجبه، فيكون فكرا بلا سلطان، كما ينفصل عن كل وعاء يضمّه، فيكون فكرا بلا قرار.

وحاصل الكلام في هذا العرض هو أننا ادعينا دعوى ائتمانية، وهي أن الفكر والعمل، في الأصل، متصلان، كيانا وقواما؛ واقتضى منا الاستدلال عليها إثبات مسألتين: إحداهما أن الفكر يتصل كيانُه بالعمل، وجودا وزمانا؛ فتبيّنَ أن "المتفكر"، بفضل حفظه لـ"التفكر الأول"، يحفظ اتصال كيان الفكر بالعمل، وأن "المفكر" لا يحفظه، فلا يكون له سبيل إلى "التفكر الأولوالمسألة الثانية أن الفكر يتصل قوامه بالعمل، قياما ومُقاما؛ فتبيَّن أن "المتفكر"، بفضل حفظه لـ"التحمل الأول"، يحفظ اتصال قِوام الفكر بالعمل، وأن "المفكّر" لا يحفظه، فلا يكون له سبيل إلى "التحمل الأول".

وهكذا، يرجع الفرق بين "المتفكر" و"المفكِّر" إلى الفرق بين من يحفظ كلا الأصلين الأوَّلين: "التفكر الأول" و"التحمل الأول" وبين من لا يحفظهما، واقعا في الفصل بين الفكر والعمل، كيانا وقواما؛ فيلزم أن الفرق بين "المتفكر" و"المفكر"، في نهاية المطاف، هو أن "المتفكر يتذكر "الميثاقين": أحدهما، "ميثاق الإشهاد"، إذ هو الذي يورّثه "التفكر الأول"؛ والثاني "ميثاق الاستئمان"، إذ هو الذي يورّثه "التحمل الأول"، بينما "المفكّر" لا يتذكرهما؛ وعلى هذا، يكون "المتفكر" حافظا للهوية الميثاقية للإنسان، بينما "المفكّر" لا يحفظها، فلا يستويان.


[1] تدبر الآيات الكريمة: "إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ، فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّر، ثم نَظَر"، 18-20، سورة المدثر.

[3] المذكور في الآيات التالية: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ، وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ"، 172-174، سورة الأعراف.

[4] نجد هذه الأوصاف مجتمعة في الآيات 10-18 من سورة النحل.

[5] المذكور في الآيتين: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا، لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا؛ 172-173، سورة الأحزاب.

Fotoğraflar